کد مطلب:370270 سه شنبه 23 مرداد 1397 آمار بازدید:542

الفصل الثالث مفارقات.. وتناقضات فی مواقف الخوارج














الصفحة 86












الصفحة 87


بدایة:


إن من یراجع عقائد «الخوارج»، ومذاهبهم، یجد مفارقات كبیرة بینها وبین ما كانوا یتخذونه من مواقف عبر العصور..


فبینما نجدهم یكفرون جمیع من عداهم، وینقمون على خلفاء الجور، ویحاربونهم بكل ضراوة وعنف.. ویستحلون حتى قتل النساء والأطفال، والشیوخ، وبصورة بشعة ولا إنسانیة، فإنهم فی ظروف أخرى یتعاملون مع أولئك الحكام، ویبایعونهم، ویعینونهم، ویكونون إلى جانبهم..


وإذا كان مذهبهم یقوم فی الأساس على البراءة من علی (علیه السلام)، ومن كل ما یمت إلیه بصلة أو رابطة، فإننا نجدهم یتعاملون مع بعض ولده ویؤیدونهم، رغم أن دعوة ولده لا تختلف عن دعوته، وأن خطه هو نفس خطّه صلوات ربی علیه وسلامه وبركاته..


وقد تقدمت نماذج كثیرة تكفی للإعلان بالاختلاف بین ما یدعون أنهم یعتقدون وبین ما یمارسونه..


ونذكر فیما یلی أنموذجاً آخر من هذه المفارقات فی مواقفهم، والمناقضة لما قرروه فی اتجاهاتهم وعقائدهم: وقد یجد المتتبع لهذه












الصفحة 88


الدراسة نماذج أخرى ذكرت فی موضعها ولم نشر إلیها هنا، فإننا لسنا فی صدد تتبع ذلك واستقصائه.. بل نذكر ما نذكره هنا على سبیل النموذج والمثال.


فنقول:


موقفهم من الإمام الحسن (علیه السلام):


إن من الواضح: أن أساس نحلة «الخوارج» یقوم على البراءة من أمیر المؤمنین (علیه السلام) وتكفیره.. وعدم الاستجابة لأیة دعوة أو خطة فیها تأیید لنهجه (صلوات الله وسلامه علیه).. وواضح: أنه (علیه السلام) هو الذی أوصى لولده الإمام الحسن (علیه السلام) بالخلافة(1)؛ تنفیذاً لأمر الرسول الأعظم (صلى الله علیه وآله)، الذی قال: الحسن والحسین إمامان، قاما أو قعدا(2).


كما أن الإمام الحسن المجتبى، قد كان مع أبیه فی كل آرائه ومواقفه، یؤیده ویعینه، ویشد من أزره. ولم یفارق نهجه وخطه قید أنملة، حتى


____________



(1) راجع: مقاتل الطالبیین ص55و56 وراجع: ص52و34. والفتوح لابن أعثم ج4 ص151 والمناقب لابن شهر آشوب ج4 ص31 وشرح النهج للمعتزلی ج16 ص36ـ40 وراجع: ص30 وج1 ص57 والبحار ج44و64 عن كشف الغمة والعقد الفرید ج4 ص474 و475 والبدایة والنهایة ج6 ص249 والمناقب للخوارزمی ص278 وتیسیر المطالب ص179 والأغانی ج6 ص121 وقاموس الرجال ج5 ص172 وإثبات الوصیة ص152 وغیر ذلك.


(2) راجع: الفصول المختارة ص303 والإرشاد للمفید ج2 ص30 والتعجب ص52 ومناقب آل أبی طالب ج2 ص141ـ163 والطرائف ص196 والمستجاد من الإرشاد ص157 وغوالی اللآلی ج3 ص130 وج4 ص93 والصوارم المهرقة ص95 وقصص الأنبیاء، ج2 ص244 والبحار، ج44 ص2 و16 و43 و68 و278 و291 وج35 ص266 وج36 ص289 و325 وج16 ص307 وج21 ص279 وألقاب الرسول وعترته، ص49.













الصفحة 89


حینما حارب «الخوارج» فی النهروان وقتلهم، وأباد خضراءهم.


ولكننا مع ذلك كله، ومع أنه لم یمر على هذه الوقعة التی كان لها الأثر العمیق فی «الخوارج» سنتان بعد.. نجد «الخوارج» ینخرطون فی جیش الإمام الحسن (علیه السلام)، ویكونون معه فی حربه ضد معاویة.


فقد جاء فی النص التاریخی: «خف.. ومعه أخلاط من الناس: بعضهم شیعة له، ولأبیه، وبعضهم محكِّمة ـ [أی خوارج] یؤثرون قتال معاویة بكل حیلة، وبعضهم أصحاب فتن، وطمع فی الغنائم الخ»(1).


إذن.. فقد ساعد «الخوارج» الإمام الحسن (علیه السلام) الذی كان أبوه وكان هو مع أبیه من أشد الناس علیهم، وأعظمهم نكایة فیهم؟!


موقفهم من زید بن علی (علیه السلام):


ثم إنهم قد بایعوا زید بن علی (علیه السلام)، حینما قام فی وجه الحكم الأموی كما یرویه السید أبو طالب، یحیى بن الحسین، بن هارون الحسنی، فی كتاب: «الدعامة»(2).


هذا وقد رثى شاعر «الخوارج»، حبیب بن جدرة الهلالی، زیداً (رحمه الله)، فقال:


 













یا با حسین والأمور إلى مدى أولاد درزة أسلموك وطاروا
یا با حسین لو شراة عصابة علقتك كان لوردهم إصدار(3)



____________



(1) راجع: أعیان الشیعة ج1 ص568 والإرشاد للمفید ص193 وكشف الغمة ج2 ص165.


(2) الحور العین ص185/186.


(3) الحور العین ص187 والكامل فی الأدب ج4 ص112 بتقدیم البیت الثانی على الأول كتاب: أبو الحسین زید الشهید ص98 عن نسمة السحر عن بعض التواریخ وربیع الأبرار ج2 ص193 وراجع: لسان العرب ج5 ص348.













الصفحة 90


قال المبرد: تقول العرب للسقاط والسفلة: أولاد درزة(1).


وقیل: هم الخیاطون، فإن زیداً لما خرج كان معه خیاطون من الكوفة(2).


وقال أیضاً:


 













أولاد درزة أسلموك مبلا(3) یوم الخمیس لغیر ورد الصادر
تركوا ابن فاطمة الكرام تقوده بمكان مسخلة لعین الناظر(4)



هذا مع العلم بأن زیداً هو حفید علی (علیه السلام) الذی حاربهم، وأباد خضراءهم، وكانت دعوته شیعیة علویة خالصة.. غیر أن حقدهم على الأمویین، وكذلك عدم قطعهم ببطلان ما كان علیه علی (علیه السلام) ووُلده، قد جعلهم یتجاوزون كل الاعتبارات، ثم أن یعینوا تلك الفئة التی تنتمی إلى ذلك الرجل الذی لا یمكنهم أن یغفروا له ما فعله بهم، ولا أن ینسوه على مرّ الأیام..


معاونتهم لأبی مسلم الخراسانی:


كما أن شیبان بن سلمة، زعیم الفرقة الشیبانیة منهم قد أعان أبا مسلم الخراسانی القائم بأمر الدعوة العباسیة، وعلی بن الكرمانی فی


____________



(1) الكامل فی الأدب ج4 ص12 وراجع: لسان العرب ج5 ص248 وربیع الأبرار ج2 ص193و194 وفیه قال: هم خیاطون من أهل الكوفة، خرجوا ثم انهزموا أسرع شیء.


(2) أبو الحسین زید الشهید ص98.


(3) لعل الصحیح: مبلّلاً.


(4) الحور العین ص187.













الصفحة 91


الحرب ضد الوالی الأموی نصر بن سیار(1)، تلك الحرب التی انتهت بالإطاحة بالحكم الأموی، وتوطید الأمر للعباسیین..


معونتهم لابن الزبیر:


هذا.. وقد أعانوا ابن الزبیر أیضاً فی حربه ضد الأمویین رغم أنهم لم یتأكدوا بعد من توجهاته، وذلك بعد أن بلغهم خروج مسلم بن عقبة إلى المدینة، وقتله أهل حرة، وأنه مقبل إلى مكة؛ فقالوا: یجب علینا أن نمنع حرم الله منهم، ونمتحن ابن الزبیر؛ فإن كان على رأینا بایعناه؛ فلما صاروا إلیه عرفوه أنفسهم وما قدموا له؛ فأظهر لهم ابن الزبیر: أنه على رأیهم؛ فقاتلوا معه أهل الشام حتى مات یزید، وانصرف الجیش الشامی عن مكة..


ثم امتحنوا ابن الزبیر، فصرفهم إلى العشی؛ لأنه لم یكن عنده من یمتنع به منهم. وفی العشی خرج إلیهم، وقد لبس سلاحه؛ فرفض ما دعوه إلیه، من البراءة من عثمان، وتكفیر أبیه الزبیر؛ ففارقوه، وكان ذلك سنة 64هـ. وكان فیهم نافع بن الأزرق، ونجدة، وبنو ماحوز، وغیرهم من زعماء «الخوارج» (2).


____________



(1) راجع: الخطط للمقریزی ج2 ص355، ومقالات الإسلامیین ج1 ص167 والملل والنحل ج1 ص132، والحور العین ص172 والفرق بین الفرق ص102، وراجع أیضاً العیون والحدائق ص166 والخوارج عقیدة وفكراً وفلسفة ص65.


(2) راجع فیما تقدم: العقد الفرید ج2 ص391ـ395، والكامل للمبرد ج3 ص276ـ282 والكامل لابن الأثیر ج4 ص165 و166 و167 و168 وراجع ص123/124، وأنساب الأشراف ج4 ص95 و99 و28 و47 و54 و58و102 وتاریخ الطبری ج4 ص436ـ439 وتاریخ ابن خلدون ج3 ص144/145 والبدایة والنهایة ج8 ص239 وراجع: الإباضیة عقیدة ومذهباً ص22و23و25و28و29و44 عن بعض من تقدم وعن ابن كثیر وابن ابی الحدید والمسعودی وراجع العقود الفضیة ص22وراجع:


=>













الصفحة 92


وبعد ذلك كتب نافع إلى عبد الله بن الزبیر یدعوه إلى أمره فلم یستجب له..


ویلاحظ: أن ابن الزبیر الذی اتخذ سبیل التقیة قد سكت عن علی (علیه السلام) الذی حاربه هو وأبوه من قبل، ولم یذكره كما ذكر عثمان وطلحة والزبیر..


ولعل مساعدتهم لابن الزبیر لم تكن بالأمر الذی یثیر عجباً كثیراً، بعد إعلانهم: أن هدفهم أولاً هو الدفاع عن حرم الله تعالى، ضد الذین كان عداؤهم لهم لا رجعة عنه، لأن كفرهم لدیهم كان أمراً غیر قابل للریب والشك إطلاقاً.


وعلى كل حال فإن النص التاریخی یقول: إنه كان قد دخل «فی طاعة ابن الزبیر رؤوس «الخوارج»: نافع بن الأزرق، وعطیة بن الأسود، ونجدة الخ..»(1).


ویقول المعتزلی: «.. إن عبد الله بن الزبیر استنصر على یزید بن معاویة بالخوارج، واستدعاهم إلى ملكه؛ فقال الشاعر:


 













یا ابن الزبیر اتهوى فتیة قتلوا ظلماً أباك ولما تنزع الشكك(2)
ضحوا بعثمان یوم النحر ضاحیة یا طیب ذاك الدم الزاكی الذی سفكوا



فقال ابن الزبیر: لو شایعنی الترك والدیلم على محاربة بنی أمیة لشایعتهم، وانتصرت بهم..»(3).


____________



<=


الخوارج عقیدة وفكراً وفلسفةً ص83 و84 والغدیر ج10 ص52.


(1) سنن البیهقی ج8 ص193 والغدیر ج10 ص52.


(2) الشكك: جمع شكة، وهی السلاح.


(3) شرح النهج للمعتزلی ج5 ص131 والكامل للمبرد ج3 ص282.













الصفحة 93


وقد قیل له؛ حینما كان الخوارج یقاتلون معه أهل الشام: «أتقاتل بهذه المارقة؟ فقال: لو أعانتنی الشیاطین على أهل الشام لقاتلتهم بهم..»(1).


وقال الذهبی: «وكانت الخوارج وأهل الفتن قد أتوه وقالوا: عائذ بیت الله. ثم دعا إلى نفسه، وبایعوه، وفارقته الخوارج»(2).


وهكذا یتضح: أنه كما أن «الخوارج» لم یكن یهمهم من أجل القضاء على الأمویین حتى أن یعینوا زید بن علی، وأبا مسلم، وابن الزبیر بالذات..


كذلك ابن الزبیر.. فإنه لم یكن یهمه من أجل الوصول إلى أهدافه، وتحقیق مآربه بالحكم والسلطان: أن یستعین حتى بالشیاطین، فضلاً عن «الخوارج»، كما صرح به، حسبما تقدم..


نعم.. ولا غرابة فی ذلك. فإنه قد أظهر للخوارج أولاً أنه منهم، وجعل شعاره حینما اتصل بهم نفس شعارهم، وهو: «لا حكم إلا لله»(3).


كما أنه قد قطع الصلاة على النبی أربعین جمعة بغضاً منه بأهل بیته (صلى الله علیه وآله)(4).


وقبل ذلك، فإنه هو الذی حارب أمیر المؤمنین علیاً (علیه السلام) مع أبیه


____________



(1) أنساب الاشراف ج4 ص49 وراجع: الكامل فی الأدب ج3 ص282.


(2) سیر أعلام النبلاء ج3 ص373 وراجع: تهذیب تاریخ دمشق ج7 ص410 وتاریخ الإسلام ج3 ص170/171.


(3) شرح الأخبار، ج1 ص360 وج2 0 ص46 وأوائل المقالات، ص233 والاختصاص، ص180 ومناقب آل أبی طالب، ج2 ص369 ومناقب أمیر المؤمنین، ج2 ص340و341 والبحار، ج32 ص544 وج33 ص338 و343 و344 و361 و395 وج38 ص183 وج42 ص271.


(4) مقاتل الطالبیین، ص316 والصوارم المهرقة، ص97 والأمالی هامش ص347.













الصفحة 94


وغیره من الناكثین..


إلى غیر ذلك مما لا مجال لاستقصائه، مما یؤكد فیه تلك الخصیصة التی أشرنا إلیها آنفاً.


معونتهم للأمویین:


بل نجد: أنهم قد أعانوا حتى الأمویین، حینما كانت دعوتهم موافقة لعصبیتهم، فقد قال ابن خلدون، وهو یتكلم عن حركة الضحاك بن قیس: «.. وولى مروان على العراق النضر بن سعید الحرشی، وعزل به عبد الله بن عمر بن عبد العزیز؛ فامتنع عبد الله بالحیرة، وسار إلیه النضر، وتحاربا أشهراً، وكانت الصفریة مع النضر عصبة لمروان بالطلبة بدم الولید، وأمه قیسیة الخ..». ثم ذكر كیف أن الضحاك والخوارج قد استفادوا من هذا الخلاف، وحاربوهم، ثم ما جرى منهم(1).


كما أن شیبان الخارجی: قد صالح نصر بن سیار، العامل الأموی المعروف فی خراسان(2). لیتمكن من مواجهة العباسیین وغیرهم.


وقال ابن قتیبة الدینوری: «وسار مصعب بن الزبیر بجماعة أهل البصرة، نحو المزار، وتخلف عنه المنذر بن الجارود، وهرب منه نحو كرمان فی جماعة من أهل بیته، ودعا لعبد الملك بن مروان»(3).


والأزارقة أیضاً قد قبلوا بموادعة المهلب ثمانیة عشر شهراً لیتفرغ


____________



(1) تاریخ ابن خلدون، ج3 ص164.


(2) المصدر السابق، ج3 ص120.


(3) الأخبار الطوال، ص 304/305.













الصفحة 95


لحرب المختار(1).


وقد عرفنا: كذلك أن شبیب بن یزید الخارجی قد قصد أولاً الشام، وطلب من عبد الملك أن یفرض له فی اهل الشرف، فلما رفض طلبه، خرج علیه، واستولى على ما بین كسكر والمدائن. وقد هزم للحجاج عشرین جیشاً فی مدة سنتین(2).


وقد اتهم بمكاتبة عبد الملك بعد أن خرج علیه، ووعده عبد الملك بولایة الیمامة، ویهدر له ما أصاب من الدماء(3).


والخریت أیضاً: قد قال للعثمانیة: «إنا ـ والله ـ على رأیكم، قد ـ والله ـ قتل عثمان مظلوماً»(4).


وسمیرة بن الجعد قد أصبح سمیراً للحجاج(5).


وكان زیاد یرسل إلى جماعة منهم فیحملهم إلیه ویسمرون عنده، وقد مدحه عمر بن عبد العزیز على ذلك(6).


وعمران بن حطان أیضاً، قد نزل ضیفاً على روح بن زنباغ، وكان أثیراً عند عبد الملك فلما اطلع على أمره ارتحل عنه(7).


وتقدم أن عقفان الحروری خرج فی أیام یزید بن عبد الملك


____________



(1) الأخبار الطوال، ص304/305.


(2) راجع: الفرق بین الفرق، ص111 والفتوح لابن أعثم ج7 ص84و85.


(3) العبر ودیوان المبتدأ والخبر ج3 ص347.


(4) تاریخ الأمم والملوك ج4 ص96 والكامل فی التاریخ، ج3 ص368.


(5) الخوارج فی العصر الأموی، ص261 و262 و279 و280 وراجع مروج الذهب، ج3 ص136/137.


(6) الكامل فی الادب، ج3 ص261 و262.


(7) راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلی، ج5 ص92 و95 ومصادر أخرى تقدمت.













الصفحة 96


فی ثلاثین رجلاً، فأرسل یزید إلیهم أهلیهم فردوهم، وبقی عقفان وحده؛ فبعث إلیه یزید أخاه فاستعطفه ورده.


فلما ولی هشام الخلافة ولاّه أمر العصاة، بعد أن أراد أن یولیه إمرة مصر.


ولما ولی عقفان أمر العصاة، وعظم أمره قدم ابنه من خراسان عاصیاً، فشده، وثاقاً وبعث به إلى الخلیفة هشام، فأطلقه هشام لأبیه. ثم استعمل عقفان على الصدقة، فبقی على الصدقة إلى أن مات هشام(1).


وفی المقابل نجد سلیمان بن هشام الأموی قد انضم إلى الضحاك بن قیس، وكان معه جیش من أربعة آلاف(2).


خارجیان حاربا الحسین، ثم استشهدا معه:


وقد ذكروا: أن أبا الحتوف ابن الحارث بن سلمة الأنصاری العجلانی، كان مع أخیه سعد فی الكوفة، ورأیهما رأی «الخوارج».


فخرجا مع عمر بن سعد لحرب الحسین (علیه السلام).


فلما كان الیوم العاشر، وقتل أصحاب الحسین، وجعل الحسین ینادی: ألا ناصر فینصرنا، فسمعته النساء والأطفال، فتصارخن. وسمع سعد وأخوه أبو الحتوف النداء من الحسین، والصراخ من عیاله، قالا إنا نقول: لا حكم إلا لله، ولا طاعة لمن عصاه. وهذا الحسین ابن بنت نبینا محمد، ونحن نرجو شفاعة جده یوم القیامة، فكیف نقاتله وهو بهذا الحال، لا ناصر له ولا معین؟!


____________



(1) النجوم الزاهرة ج1 ص251 وفی هامشه عن الكامل فی التاریخ.


(2) الخوارج والشیعة ص103.













الصفحة 97


فمالا بسیفهما مع الحسین على أعدائه، وجعلا یقاتلان قریباً منه حتى قتلا جمعاً وجرحا آخر، ثم قتلا معاً فی مكان واحدٍ. وختم لهما بالسعادة الأبدیة بعد ما كانا من المحِّكمة. وإنما الأمور بخواتیمها(1).


وإذا كان میلهما إلى الحسین علیه صلوات ربی وسلامه قد كان بسبب وضوح الأمر لهم، وظهور مظلومیته لدیهم، وموافقة ذلك لمنطق العقل والاحتیاط للدین..


فإن مساعدتهما للأمویین، وخروجهما فی جیش عمر بن سعد، لا یمكن تفسیره على أساس دینی، ولا منطقی على الإطلاق، فإن «الخوارج» الذین لا یقبلون بالقعود عن محاربة السلطان الظالم، لا یمكن أن یكون یزید ـ بنظرهم ـ محقاً فی حربه للحسین، ولا فی تأمّره على الأمة، فی أی من الظروف والأحوال.


فلابد من تفسیر هذا الخروج معهم، والعون لهم على أنه قد كان لأجل الدنیا، ولا شیء وراء ذلك على الإطلاق، أو بغضاً بكل من هو من ولد علی (علیه السلام) وحقداً.


ثم تداركهما الله بلطف منه، وأنار بصیرتهما، فختم لهما بالسعادة، وأكرمهما بالشهادة.


____________



(1) الكنى والألقاب ج1 ص45.













الصفحة 98












الصفحة 99